الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***
1104- مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه تزوج فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((كم سقت إليها)) فقال زنه نواة من ذهب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أولم ولو بشاة)) هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة ((الموطأ)) جعلوه من مسند أنس ورواه روح بن عبادة عن مالك عن حميد عن أنس عن عبد الرحمن بن عوف جعله من مسند عبد الرحمن بن عوف وقال أهل العلم بالنسب والخبر إن المرأة التي تزوج عبد الرحمن بن عوف على زنة نواة من ذهب وقال له فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أولم ولو بشاة)) هي بنت أنيس بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل من الأنصار من الأوس ولدت لعبد الرحمن بن عوف ابنين أحدهما يسمى القاسم والآخر أبو عثمان قيل اسمه عبد الله كما قيل في اسم أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف يقال لأحدهما عبد الله الأصغر والآخر عبد الله الأكبر. وأما النواة فأكثر أهل العلم يقولون وزنها خمسة دراهم. وقال أحمد بن حنبل وزنها ثلاثة دراهم وثلث وقد قيل إن النواة المذكورة في الحديث نواة التمر أراد وزنها من الذهب وقال بعض أصحاب مالك وزن النواة بالمدينة ربع دينار قال وذلك معروف عندهم واحتج بحديث يروى عن الحجاج بن ارطأة عن قتادة عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف تزوج امرأة أنصارية وأصدقها زنة نواة من ذهب ثلاثة دراهم وربع وجعل هذا القائل حديث النواة هذا أصلا في أقل الصداق وهذا لا حجة فيه لأن المثقال وزنه درهمان عددا لا كيلا لا خلاف في ذلك ودرهم الفضة درهم كيلا وهو درهم وخمسان ووزن ثلاثة دراهم وربع من ذهب لا خلاف بين أحد من العلماء أنه يكون صداقا لمن شاء لأنه اكثر من ثلاثة دراهم فضة ومن ربع دينار ذهبا بل هو أكثر من مثقالين من الذهب وهما ديناران فأين هو ربع دينار ذهبا من هذا لولا الغفلة الشديدة ولم يختلف العلماء في أكثر الصداق وأنه لا مقدار له عندهم واختلفوا في مقدار أقل الصداق وقد بينا ذلك في باب الصداق والحباء في أول هذا الكتاب والحمد لله. وأما قوله في حديث مالك هذا وبه أثر صفرة فرواه حماد بن سلمة عن ثابت البناني وحميد عن أنس فقال فيه وبه ردع من زعفران تبين تلك الصفرة ما كانت فيجوز على هذا الرجل أن يصفر لحيته وثيابه بالزعفران وقد أجاز ذلك مالك وأصحابه لباس الثياب المصبوغة بالزعفران للرجال وحكاه عن بن عمر وبن المنكدر وربيعة وبن هرمز حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني القعنبي قال حدثني عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه أن بن عمر كان يصبغ ثيابه بالزعفران فقيل له في ذلك فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ به ورايته أحب الطيب إليه. وأخبرنا خلف بن قاسم قال حدثني بن شعبان قال حدثني الحسن بن محمد بن الضحاك قال حدثني أبو مروان العثماني قال حدثنا إبراهيم بن سعد قال سألت بن شهاب عن الخلوق فقال قد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلقون ولا يرون بالخلوق بأسا قال بن شعبان هذا جائز عند أصحابنا في الثياب دون الجسد وكره الشافعي وأبو حنيفة واصحابهما أن يصبغ الرجل ثيابه أو لحيته بالزعفران لحديث عبد العزيز بن صهيب وغيره عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل وحديث يعلى بن مرة قال مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متخلق بالزعفران فقال لي يا يعلى ! هل لك امرأة قلت لا قال اذهب فاغسله وحديث عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا تقرب الملائكة جنازة كافر ولا جنب ولا متضمغ بخلوق)) وأحاديث في هذا المعنى قد ذكرتها في ((التمهيد)) وسيأتي في كتاب الجامع إن شاء الله عز وجل. 1105- مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال لقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يولم بالوليمة ما فيها خبز ولا لحم قال أبو عمر هذا الحديث رواه سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن حميد عن أنس قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليمة ليس فيها خبز ولا لحما حدثنا به بن وهب وسعيد بن عفير عن سليمان بن بلال بإسناده هذا وزاد فيه قيل فبأي شيء يا أبا حمزة قال بسويق وتمر وروى هذا الحديث إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن أنس والصواب ما رواه عنه سليمان بن بلال والله أعلم وإسماعيل كثير الخطأ عن المدنيين سيئ الحفظ وهو عند الشاميين أشبه والنسائي في الضعفاء وهذا الحديث محفوظ لأنس رواه عنه الزهري وثابت وحميد وعمرو بن أبي عمرو وغيرهم وهذه الوليمة كانت على صفية بنت حيي في السفر مرجعة من خيبر وعند أنس بن مالك أيضا حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على زينب حين تزوجها فأشبع المسلمين خبزا ولحما وقد ذكرنا أحاديث هذا الباب كلها بالأسانيد في ((التمهيد)). 1106- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها)). 1107- مالك عن بن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أنه كان يقول شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك المساكين ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله قال أبو عمر أما حديث نافع فاختلف أصحابه عليه في لفظه فلفظ حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر كلفظ حديث مالك سواء بلفظ واحد ورواه أيوب وموسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( أجيبوا الدعوة إذا دعيتم)) لم يخص وليمة من غيرها هكذا رواه حماد بن زيد عن أيوب ورواه معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إذا دعا أحدكم أخاه فليجيب عرسا كان أو دعوة)) ورواه الزبيدي عن نافع عن بن عمر مثل حديث معمر عن أيوب عن نافع وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله في ((التمهيد)) فأما حديث مالك وعبيد الله فظاهره يوجب إتيان الدعوة إلى الوليمة دون غيرها وظاهر حديث أيوب وموسى بن عقبة يشتمل كل دعوة إلا أنه مجمل محتمل التأويل وظاهر حديث معمر والزبيدي قد بان فيه الأمر بإتيان العرس وغيره لا خلاف ألفاظ ظاهر هذه الأحاديث اختلف الفقهاء فيما يجب إتيانه من الدعوات على ما نذكره بعد - إن شاء الله تعالى. وأما حديث بن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أنه قال ((شر الطعام طعام الوليمة)) فظاهره موقوف على أبي هريرة من رواية الجمهور من أصحاب مالك إلا أن قوله فيه فقد عصى الله ورسوله يقضي برفعه عندهم وقد رواه روح بن القاسم عن مالك بإسناده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((شر الطعام طعام الوليمة)) الحديث فرفعه وكذلك رواه إسماعيل بن مسلمة بن قعنب عن مالك وكذلك رواه بن جريج عن بن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله)) ورواه معمر عن الزهري عن بن المسيب والأعرج عن أبي هريرة جميعا قال شر الطعام طعام الوليمة يدعى الغني ويمنع المسكين وهي حق من يردها فقد عصى ذكره عبد الرزاق عن معمر بهذا الإسناد وهذا اللفظ موقوفا على أبي هريرة قال عبد الرزاق وربما قال معمر في هذا الحديث ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله قال أبو عمر خرج أهل التصنيف في ((المسند)) حديث أبي الشعثاء عن أبي هريرة أنه رأى رجلا خارجا من المسجد بعد الأذان فقال أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم وكذلك خرجوا في ((المسند)) حديث بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنه قال لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك وكذلك حديث أبي هريرة في الوليمة مسند عندهم إلى رواية من رواه مرفوعا بغير إشكال مما يشهد بما ذكرنا وبالله توفيقنا. وأما اختلاف الفقهاء فيما يجب إتيانه من الدعوات إلى الطعام فقال مالك والثوري يجب إتيان وليمة العرس ولا يجب غيرها. وقال الشافعي إجابة وليمة العرس واجبة ولا أرخص في ترك غيرها من الدعوات التي يقع عليها اسم وليمة كالإملاك والنفاس والختان وحادث سرور ومن تركها لم يتبين لي أنه عاص كما تبين لي في وليمة العرس قال ومن أجاب وهو صائم دعا وانصرف وقال عبيد الله بن الحسن العنبري القاضي إجابة كل دعوة اتخذها صاحبها للمدعو فيها طعاما واجبة وهو قول أهل الظاهر لقوله صلى الله عليه وسلم ((أجيبوا الدعوة إذا دعيتم)) وقد روي عرسا كان أو غيره ولحديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ((فكوا العاني وأجيبوا الداعي وعودوا المريض)) ولحديث البراء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع فذكر منها إجابة الداعي وقال الطحاوي لم نجد عند أصحابنا - يعني أبا حنيفة وأصحابه في ذلك شيئا إلا في إجابة دعوة الوليمة فإنها تجب عندهم قال وقد يقال إن طعام الوليمة إنما هو طعام العرس خاصة والله أعلم قال أبو عمر قال صاحب العين الوليمة طعام العرس وقد أولم إذا أطعم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن ((أولم ولو بشاة)) فإذا وجب عليه أن يولم ويدعو وجبت الإجابة وفي قوله ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله بيان في تأكيد إيجاب إتيان الوليمة والله أعلم وما أعلم خلافا بين السلف من الصحابة والتابعين في القول بالوليمة وإجابة من دعي إليها. وأما طعام الختان فقد روى عن الحسن قال دعي عثمان بن أبي العاص إلى ختان فأبى أن يجيب وقال كنا على عهد ر سول الله صلى الله عليه وسلم لا نأتي الختان ولا ندعى إليه وليث عن نافع قال كان بن عمر يطعم على ختان الصبيان ذكره أبو بكر قال حدثني جرير عن ليث عن نافع وروى عن الحسن من وجوه ومن ذهب من أهل الظاهر وغيرهم إلى إيجاب الإجابة لكل دعوة احتجوا بظاهر الأحاديث عن النبي -عليه السلام- أنه قال ((أجيبوا الدعوة إذا دعيتم)) وقوله -عليه السلام- ((لو دعيت إلى ذراع لأجبت ولو أهدي لي كراع لقبلت)) وهذه جملة محتمله للتأويل لأنه يمكن أن يريد أجيبوا الدعوة إلى الوليمة ويحتمل قوله -عليه السلام- لو دعيت إلى ذراع الحديث الندب والاستحباب لما في إجابة دعوة الداعي من الألفة وفي ترك إجابتة من فساد النفوس وتوليد العداوة وعلى كل حال فإجابة دعوة الداعي إلى الطعام حسنة مندوب إليها مرغوب فيها هذا أقل أحوالها إلا أن يكون فيها من المناكر المحرمة ما يمنع من شهودها ولأهل الظاهر القائلين بوجوب الإجابة على كل حال لكل دعوة قولان في أكل المدعو المجيب إذا كان مفطرا وقد روي لكل واحد منهما حديث أحدهما أن على الصائم أن يجيب فيدعو وينصرف وعلى المفطر أن يأكل على ظاهر حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليصل (1) يقول فليدع الآخر والآخر إن على من دعي أن يجيب فإن شاء أكل وإن شاء لم يأكل إذا كان مفطرا على ظاهر حديث أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا دعي أحدكم فليجب فإن شاء أكل وإن شاء ترك)) وقد ذكرنا هذين الحديثين من طرق في ((التمهيد)). وأما أقاويل الفقهاء ومذاهبهم في الامتناع من الإجابة والقعود والأكل إذا رأوا في موضع الطعام منكرا أو علموه فقال مالك أما اللهو الخفيف مثل الدف والكبر فلا يرجع لأني أراه خفيفا وقاله بن القاسم وقال أصبغ أرى أن يرجع قال. وأخبرني بن وهب عن مالك أنه لا ينبغي لذي الهيئة أن يحضر موضعا فيه لعب. وقال الشافعي إذا كان في وليمة العرس مسكرا وخمرا وما أشبه ذلك من المعاصي الظاهرة نهاهم فإن نحوا ذلك وإلا لم أحب له أن يجلس وأن علم ذلك عندهم لم أحب له أن يجيب قال وضرب الدف في العرس لا بأس به وقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو حنيفة إذا حضر الوليمة فوجد فيها اللعب فلا بأس أن يقعد ويأكل وقال محمد بن الحسن إذا كان الرجل ممن يقتدى به فأحب إلي أن يخرج وقال الليث بن سعد إذا كان في الوليمة الضرب بالعود واللهو فلا ينبغي أن يشهدها وروي أن الحسن وبن سيرين كانا في جنازة وهناك نوح فانصرف بن سيرين فقيل للحسن ذلك فقال إن كنا متى رأينا باطلا تركنا له حقا أسرع ذلك في ديننا قال أبو عمر من كره ذلك فحجته حديث سفينة وما كان مثله أن عليا وفاطمة دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعاه لضيف نزل بهما فأتاه فرأى فراشا في ناحية البيت فانصرف وقال ليس لي أن أدخل بيتا فيه تصاوير أو قال بيتا مزوقا قالوا فقد امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدخول في بيت فيه ما قد نهى عنه فكذلك كل ما كان مثله من المناكير ورجع بن مسعود إذ دعي إلى بيت فيه صورة وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا تدخل الملائكة بيتا فيه تصاوير)) ورجع أبو أيوب الأنصاري إذ دعاه بن عمر فرأى مثل ذلك وحجة من أجاز ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى لعب الحبشة ووقف له وأراه عائشة وأنه ضرب عنده في العيد بالدف والغناء فلم يمنع من ذلك وروى الزهري عن عروة عن عائشة قالت رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا التي أستأم فأقدروا وأقدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو وهذا لفظ حديث الأوزاعي عن الزهري ورواه مالك عن أبي النضر عمن سمع عائشة تقول سمعت أصوات ناس من الحبشة وغيرهم وهم يلعبون يوم عاشوراء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أتحبين أن تري لعبهم)) قلت نعم فأرسل إليهم فجاؤوا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين البابين فوضع كفه على الباب ومد يده ووضعت يدي على يده وجعلوا يلعبون وأنا أنظر وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((حسبك)) مرتين أو ثلاثا ثم قال يا عائشة ! حسبك)) فقلت نعم فأشار إليهم فانصرفوا وقد ذكرنا هذا المعنى بأوضح من هذا في غير هذا الموضع قال أبو عمر قد ذكرنا قول الخليل في الوليمة وقال غيره طعام الوليمة هو طعام العرس والأملاك خاصة قال ويقال للطعام الذي يصنع للنفساء الخرص والخرصة - يكتب بالسين وبالصاد ويقال للطعام الذي يصنع عند الختان الإعذار والطعام الذي يصنع للقادم من السفر النقيعة والطعام الذي يصنع عند بناء الدار الوكيرة وأنشد خلف لبعض الأعراب: كل الطعام يشتهي ربيعه *** الخرص والإعذار والنقيعه قال ثعلب المأدبة والمأدبة كل ما دعي إليه من الطعام تفتح الذال وتضم في المأدبة قال ويقال هذا طعام أكل على ضفف إذا كثرت عليه الأيدي وكان قليلا واختلفوا في نهبه اللوز والسكر وسائر ما ينثر في الأعراس والختان وأضراس الصبيان فقال مالك لا يعجبني ذلك وأكره أن يؤكل شيء مما يأخذه الصبيان اختلاسا على تلك الحال. وقال الشافعي في المزني لو ترك كان أحب إلي ولا يبين لي أنه حرام إذا أذن فيه صاحبه وقال الربيع عنه أكرهه لأن صاحبه ربما لم تطب نفسه بمن غلب فيه وقوي عليه بما صار من ذلك إليه. وقال أبو حنيفة لا بأس بنهبة السكر واللوز والجوز في العرس والختان إذا أذن أهله فيه وهو قول أبي يوسف وقال بن أبي ليلى نثر السكر والجوز واللوز وما أشبه ذلك وأكره أن يؤخذ منه شيء قال أبو عمر وحجة من كره النهبة في هذا الباب حديث ثعلبة بن الحكم قال أصاب الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غنما فانتهبوها فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((لا تصلح النهبة)) وأمر بالقدور فأكفئت وروى عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((من انتهب فليس منا)) وفي حديث الصنابحي عن عبادة قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا ننتهب. وأما من لم ير بذلك باسا لإذن صاحبه فمن حجته عن حديث عبد الله بن قرط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نحر بدنا له ثم قال من شاء اقتطع ولم يختلفوا أن من سنته صلى الله عليه وسلم في هدي التطوع أن يخلي بين الناس وبينه فيأخذ منه كل ما قدر عليه. 1018- مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول إن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه قال أنس فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام فقرب إليه خبزا من شعير ومرقا فيه دباء قال أنس فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حول القصعة فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم قال أبو عمر هكذا هذا الحديث عند جميع رواة الموطأ)) إلا أن بعضهم زاد فيه ذكر القديد منهم بن بكير والقعنبي قالوا فيه بطعام فيه دباء وقديد وأدخل مالك هذا الحديث في باب الوليمة وليس فيه شيء يدل على الوليمة ويشبه أن يكون وصل إليه من ذلك علم. وأما ظاهره فلا دليل فيه على طعام العرس والوليمة وإنما هو عندي مثل حديثه أيضا عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس أن جدته مليكة دعت رسول الله لطعام صنعته الحديث ذكره في باب صلاة الضحى من كتاب الصلاة ومثله في معناه دعاء أبي طلحة وأم سليم له إلى طعام ومثله كثير من الآثار الصحاح في غير الوليمة وقد ذكرنا أن أهل الظاهر يوجبون الإتيان إلى كل دعوة فيها طعام حلال لحديث شقيق عن بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((أجيبوا الداعي ولا ترد الهدية)) ولحديث البراء بن عازب قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع فذكر منها إجابة الداعي وتشميت العاطس وما كان مثل هذين الحديثين في معناهما وروى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((حق المسلم على المسلم خمس)) ويروى في هذا الحديث ست ((إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا عطس فشمته وإذا استنصحك)) فانصح له وإذا مرض فعده وإذا مات فاشهد جنازته)) رواه مالك وغيره عن العلاء ومعلوم أن العيادة للمريض والتشميت للعاطس والابتداء بالسلام ليس منهن شيء واجب يتعين وإنما هو حسن أدب وإرشاد فكذلك الدعوة إلى الطعام وبالله تعالى التوفيق وقد ذكرنا ما لأئمة الفتوى بالأمصار في إجابة الوليمة وغيرها بما فيه كفاية - إن شاء الله تعالى وبالله التوفيق وحسبي ونعم الوكيل. 1109- مالك عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((إذا تزوج أحدكم المرأة أو اشترى الجارية فليأخذ بناصيتها وليدع بالبركة وإذا اشترى البعير فليأخذ بذروة سنامه وليستعذ بالله من الشيطان)). قال أبو عمر هكذا هذا الحديث في ((الموطأ)) مرسلا لزيد بن أسلم وقد رواه عنبسة بن عبد الرحمن عن زيد بن اسلم عن أبيه عن عمر عن النبي عليه السلام وعنبسة ضعيف ولكن معناه يتصل ويستند من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي عليه السلام ومن حديث أبي لاس الخزاعي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا أسانيدها في ((التمهيد)) ولا أقف على الفرق بين البعير والدابة والله أعلم بما أراد بقوله صلى الله عليه وسلم وجائز أن يدعي بالبركة في كل حيوان يشترى لأن الاستعاذة من الشيطان لا تمنع من الدعاء بالبركة لأن ذلك كله من الخير وقد يحتمل أن يكون النبي عليه السلام خص البعير بالاستعاذة من الأستعاذه بالشيطان عند ابتياعه لأنه عليه السلام قد قال في الإبل ((إنها خلقت من جن)) وهذا على التشبيه بحدة الجن وصولتهم وكذلك صولة الجمل عند هياجه والله أعلم بما أراد من قوله ذلك فكأنه عليه السلام أكد في الاستعاذة من شر الإبل وأمر بالدعاء بالبركة في غيرها وفيها - إن شاء الله والناصية مقدم شعر رأس الدابة الذي يكون بين أذنيها وكذلك هو في الآدميين شعر مقدم الرأس. 1110- مالك عن أبي الزبير المكي أن رجلا خطب إلى رجل أخته فذكر أنها قد كانت أحدثت فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فضربه أو كاد يضربه ثم قال مالك والخبر قال أبو عمر قد روي هذا المعنى عن عمر من وجوه ومعناه عندي -والله أعلم- فيمن تابت وأقلعت عن غيها فإذا كان ذلك حرم الخبر بالسوء عنها وحرم رميها بالزنى ووجب الحد على من قذفها إذا لم تقم البينة عليها وقد أخبر الله عز وجل - أنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات وقال - عز وجل (إن الله يحب التوابين) [البقرة 222]. وروي عن النبي -عليه السلام- أنه قال ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له)) وروى يزيد بن هارون عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أن رجلا أتى عمر بن الخطاب فقال إن ابنة لي ولدت في الجاهلية وأسلمت فأصابت حدا وعمدت إلى الشفرة فذبحت نفسها فأدركتها وقد قطعت بعض أوداجها بزاويتها فبرئت ثم مسكت وأقبلت على القرآن وهي تخطب إلي فأخبر من شأنها بالذي كان فقال عمر أتعمد إلى ستر ستره الله فتكشفه لئن بلغني أنك ذكرت شيئا من أمرها لأجعلنك نكالا لأهل الأمصار بل أنكحها نكاح العفيفة المسلمة وروى شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن رجلا أراد أن يزوج ابنته فقالت إني أخشى أن أفضحك إني قد بغيت فأتى عمر فذكر ذلك له فقال أليست قد تابت قال نعم قال فزوجها. 1111- مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير كانا يقولان في الرجل يكون عنده أربع نسوة فيطلق إحداهن البتة أنه يتزوج إن شاء ولا ينتظر أن تنقضي عدتها. 1112- مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير أفتيا الوليد بن عبد الملك عام قدم المدينة بذلك غير أن القاسم بن محمد قال طلقها في مجالس شتى قال أبو عمر اختلف العلماء في الرجل يطلق امرأته البتة هل له أن يتزوج أختها وهي في عدة منه ومثله الرجل يكون له أربع نسوة فيطلق إحداهن طلاقا بائنا هل له أن يتزوج خامسة في العدة فقال مالك والليث بن سعد والأوزاعي وعثمان البتي والشافعي يجوز أن يتزوج الخامسة والأخت إذا كانت المطلقة قد بانت ولا يراعون العدة وهو قول بن شهاب والحسن وعطاء وسالم بن عبد الله بن عمر على اختلاف عنه وكذلك اختلف فيه عن عطاء وسعيد بن المسيب والحسن والقاسم والصحيح عنه ما رواه مالك عن ربيعة عنه وعن غيره ولم يختلف في ذلك عن عروة وهو قول عثمان بن عفان قال لرجل من ثقيف إذا طلقت امرأتك ثلاثا فإنها لا ترثك ولا ترثها فانكح إن شئت وقال الأوزاعي كان رجال من أهل العلم لا يرون به بأسا رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وعن بن جريج عن عطاء قالا وأبعد الناس منها إذا بت طلاقها لا ترثه ولا يرثها فإن شاء نكح قبل أن تنقضي عدتها وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي لا يتزوج الرجل المرأة في عدة أختها من بينونة ولا يتزوج الخامسة في عدة المبتوتة إلا أن الحسن بن حي قال أستحب ألا تتزوج. وأما الثوري وأبو حنيفة وأصحابه فلا يتزوج عندهم في العدة بحال وروي قولهم عن علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وعن عبيدة السلماني وعمر بن عبد العزيز ومجاهد وإبراهيم واختلف في ذلك عن سعيد بن المسيب والحسن وعطاء والقاسم وسالم فروي عنهم الوجهان جميعا وروى معمر والثوري وبن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن المسيب قال لا يتزوج حتى تنقضي عدة التي طلق وسفيان عن أبي الزناد عن سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت مثله وروى عبد الرزاق وعبد الرحمن بن مهدي وأبو نعيم ومحمد بن كثير عن الثوري عن أبي هاشم الواسطي قال سألت إبراهيم هل على الرجل عدة قال نعم وعدتان وثلاث فذكر الأختين يطلق إحداهما والأربع يطلق واحدة منهن والرجل يكون تحته المرأة لها ولد من غيره فيموت ولدها فليس لزوجها أن يقربها حتى يعلم أحامل هي أم لا لا ليرث أخاه أو لا يرثه وذكر أبو بكر قال حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال إذا كانت تحت الرجل أربع نسوة فطلق إحداهن ثلاثا فلا يتزوج خامسة فإن ماتت فليتزوج من يومه قال أبو عمر لأنه لا يخاف مع الموت فساد النسب ولا يراعي اجتماع الماءين هنا قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء فيمن له أربع نسوة يطلق إحداهن طلقة يملك رجعتها أنه لا يحل له نكاح غيرها حتى تنقضي عدتها لأنها في حكم الزوجات في النفقة والسكنى والميراث ولحوق الطلاق والإيلاء والظهار واللعان كالتي لم تطلق منهن سواء. وأما قول القاسم للوليد طلقتها في مجالس شتى فإنه أراد أن يشتهر طلاقها البات وتستفيض فتقطع عنه الألسنة في تزويج الخامسة إذا علم أنها ليست خامسة. 1113- مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال ثلاث ليس فيهن لعب النكاح والطلاق والعتق قال أبو عمر هذا المعنى قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا إلا أن في موضع العتق في الحديث المسند الرجعة حدثني عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني القعنبي قال حدثني عبد العزيز بن محمد بن عبد الرحمن بن حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن بن ماهك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة)). قال أبو عمر لا يستند هذا الحديث إلا من هذا الوجه وقد ذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال يقال من نكح لاعبا أو طلق لاعبا فقد جاز ولو كان -والله أعلم- صحيحا عن عطاء لما خفي فإنه أقعد الناس بعطاء وأثبتهم فيه ولكن المعنى صحيح عند العلماء لا أعلمه يختلفون فيه وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبي الدرداء كلهم قال ثلاث لا لعب فيهن ولا رجوع فيهن واللعب فيهن جاد النكاح والطلاق والعتق هذا معنى ما روي عنه وروي عن عمر بن الخطاب في هذا المعنى ما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب قال أتى رجل رجلا لعابا بالمدينة فقال له أطلقت امرأتك قال نعم قال كم قال ألفا قال فرفع إلى عمر فقال أطلقت امرأتك ألفا قال نعم إنما كنت ألعب فعلاه بالدرة وقال إنما يكفيك من ذلك ثلاث وروي عن النبي عليه السلام أيضا مثله بإسناد منقطع ضعيف فأما حديث علي - رضي الله عنه - فرواه عنه عبد الله بن يحيى ومروان بن الحكم وحديث بن مسعود وحديث أبي الدرداء منقطعان أيضا وقد روى الثوري وبن جريج عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب مثل حديث مالك سواء ذكره عبد الرزاق عنهما وقد رواه سعيد بن المسيب عن عمر فيما ذكره أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو معاوية عن حجاج عن سليمان بن شجيم عن سعيد بن المسيب عن عمر قال أربع جائزات على كل أحد العتق والطلاق والنكاح والنذر وحديث مالك أصح عنه لصحة الإسناد ورواية الأئمة له كذلك وقد روى وكيع عن الضحاك قال ثلاث لا يلعب بهن النكاح والطلاق والنذور وروى إسماعيل بن عياش عن عمرو بن مهاجر قال كتب عبد الملك بن مروان وسليمان وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك ما أقلتم السفهاء من شيء فلا تقتلوهم الطلاق والعتاق وروى معمر عن قتادة عن الحسن عن أبي الدرداء قال ثلاث اللاعب فيهن كالجاد النكاح والطلاق والعتاق أبو بكر قال حدثني عبد الأعلى عن يونس عن الحسن عن أبي الدرداء قال ثلاث لا لعب فيهن الطلاق والنكاح والعتق قال. وحدثني عيسى بن يونس عن عمر عن الحسن عن أبي الدرداء قال كان الرجل في الجاهلية يطلق ثم يراجع يقول كنت لاعبا فأنزل الله تعالى (ولا تتخذوا آيات الله هزوا) [البقرة 231]. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من أعتق أو طلق أو أعتق أو نكح أو أنكح وقال أني كنت لاعبا فهو جائز عليه)). 1114- مالك عن بن شهاب عن رافع بن خديج أنه تزوج بنت محمد بن مسلمة الأنصاري فكانت عنده حتى كبرت فتزوج عليها فتاة شابة فآثر الشابة عليها فناشدته الطلاق فطلقها واحدة ثم أمهلها حتى إذا كادت تحل راجعها ثم عاد فآثر الشابة فناشدته الطلاق فطلقها واحدة ثم راجعها ثم عاد فآثر الشابة فناشدته الطلاق فقال ما شئت إنما بقيت واحدة فإن شئت استقررت على ما ترين من الأثرة وإن شئت فارقتك قالت بل أستقر على الأثرة فأمسكها على ذلك ولم ير رافع عليه إثما حين قرت عنده على الأثر قال أبو عمر قوله -والله أعلم- فآثر الشابة عليها يريد الميل بنفسه إليها والنشاط لها لا أنه أثره عليها في مطعم وملبس ومبيت لأن هذا لا ينبغي أن يظن بمثل رافع ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((من كانت له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل)) وما أظن رافعا فعل ذلك إلا من قوله تعالى (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير) [النساء 128]. ترك بعض حقها وفي معنى هذه الآية كانت قصة سودة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبت يومها لعائشة وقرت بذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم روضة منها في أن تكون زوجة في الدنيا والآخرة وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة وروى الزهري عن عروة عن عائشة فقال فيه أن سودة وهبت يومها لعائشة تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن رافع بن خديج كانت تحته ابنة محمد بن مسلمة فكره من أمرها أما كبرا. وأما غيره فأراد أن يطلقها فقالت لا تطلقني واقسم لي ما شئت فجرت السنة بذلك فنزلت (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا الآية) [النساء 128]. وأرفع ما قيل في تأويل قول الله تعالى (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) النساء ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن خالد بن غزية عن علي بن أبي طالب أن رجلا سأله عن هذه الآية فقال هي المرأة تكون عند الرجل فتنبو عيناه عنها من دمامتها أو فقرها أو كبرها أو سوء خلقها وتكره فراقه فإن وضعت له شيء من مهرها حل له فإن جعلت له من أيامها فلا حرج وروى معمر عن الزهري قصة رافع بن خديج التي ذكر مالك بمعنى حديث مالك سواء وزاد فذلك الصلح الذي بلغنا أنه نزلت فيهما (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا) [النساء 128]. وروى هشيم عن يونس وهشام عن بن سيرين عن عبيدة قال هما على ما اصطلحا عليه فإن انتقضت فعليه أن يعدل عليهما أو يفارقها قال هشيم. وأخبرنا مغيرة عن إبراهيم مثل ذلك قال. وأخبرنا حجاج بن أرطأة عن مجاهد مثل ذلك قال. وأخبرنا يونس عن الحسن قال ليس لها أن تنتقض وهو على ما اصطلحا عليه قال أبو عمر قول الحسن هذا هو قياس قول مالك فيمن أنظر بالدين أو أعار العارية إلى مدة ونحو ذلك من مسائله وقول عبيدة وإبراهيم ومجاهد هو قياس قول الشافعي والكوفي لأنها هبة منافع طارئة لم تقبض فجاز الرجوع فيها وبالله التوفيق تم كتاب النكاح بحمد الله وعونه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما يتلوه كتاب الطلاق. بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. 1115- مالك أنه بلغه أن رجلا قال لعبد الله بن عباس إني طلقت امرأتي مائة تطليقه فماذا ترى علي فقال له بن عباس طلقت منك لثلاث وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوا. 1116- مالك أنه بلغه أن رجلا جاء إلى عبد الله بن مسعود فقال إني طلقت امرأتي ثماني تطليقات فقال بن مسعود فماذا قيل لك قال قيل لي إنها قد بانت مني فقال بن مسعود صدقوا من طلق كما أمره الله فقد بين الله له ومن لبس على نفسه لبسا جعلنا لبسه ملصقا به لا تلبسوا على أنفسكم ونتحمله عنكم هو كما يقولون قال أبو عمر ليس في هذين الخبرين ذكر البتة وإنما فيهما وقوع الثلاثة مجتمعات غير متفرقات ولزومها وهو ما لا خلاف فيه بين أئمة الفتوى بالأمصار وهو المأثور عن جمهور السلف والخلاف فيه شذوذ تعلق به أهل البدع ومن لا يلتفت إلى قوله لشذوذه عن جماعة لا يجوز على مثلها التواطؤ على تحريف الكتاب والسنة إلا أنهم يحتجون فيه بابن عباس وبن عباس قد اختلف عنه في ذلك ويحتجون أيضا بقول الله تعالى (الطلق مرتان) [البقرة 299]. وسنبين ذلك إن شاء الله عز وجل وإنما أدخل مالك - رحمه الله - هذين الحديثين في باب البتة لأنه يرى البتة ثلاثا فأراد إعلام الناظر في كتابه بمذهبه في ذلك. وأما وقوع الثلاث تطليقات مجتمعات بكلمة واحدة فالفقهاء مختلفون في هيئة وقوعها كذلك هل تقع للسنة أم لا مع إجماعهم على أنها لازمة لمن أوقعها كما تقدم ذكرنا له فعند مالك والكوفيين ليست الثلاثة المجتمعات بسنة وقعت في طهر لم تمس فيه أو لم تقع. وقال الشافعي إذا طلق في طهر لم تمس فيه فله أن يطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثة وكل ذلك سنة قال ومن كان له أن يوقع واحدة كان له أن يوقع ثلاثا وهو قول أحمد إلا أنه قال أحب إلي أن يوقع واحدة وهو الاختيار فإن أوقع ثلاثا في طهر لم يمس فيه فهو مطلق للسنة أيضا وسيأتي هذا المعنى في موضعه بأبلغ من هذا - إن شاء الله تعالى قال أبو عمر الذي ذهب إليه مالك في أن الطلاق الثلاث مجتمعات لا يقعن لسنة وأن ذلك مكروه من فعل من فعله هكذا قول أكثر السلف وهم مع ذلك يلزمونه ذلك الطلاق ويحرمون به امرأته إلا بعد زوج كما لو أوقعها مفترقات عند الجميع ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن نمير عن الأعمش عن مالك عن مالك بن الحارث عن بن عباس قال أتاه رجل فقال إن عمي طلق امرأته ثلاثا فقال إن عمك عصى الله فأندمه الله ولم يجعل له مخرجا قال. وحدثني علي بن مسهر عن شقيق بن أبي عبد الله عن أنس قال كان عمر إذا أتي برجل يطلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد أوجعه ضربا وفرق بينهما وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب عن عمر بن الخطاب مثله بمعناه وقد ذكرناه في مسألة اللعب في النكاح والطلاق وقال أبو بكر حدثني سهل بن يوسف عن حميد بن رافع بن سحبان قال سئل عمران بن حصين عن رجل طلق امرأته ثلاثا في مجلس قال عصى ربه وحرمت عليه قال. وحدثني أسباط بن محمد عن أشعث عن نافع قال قال بن عمر من طلق امرأته ثلاثا فقد عصى ربه وبانت منه امرأته وعبد الرزاق عن الثوري عن بن أبي ليلى عن نافع عن بن عمر مثله ومعمر عن الزهري عن سالم مثله قال أبو عمر لا أعلم لهؤلاء مخالفا من الصحابة إلا ما خلا ذكره عن بن عباس وهو شيء لم يروه عنه إلا طاوس وسائر أصحابه رووه عنه خلافه وهو قول الحسن والقاسم وبن شهاب وجماعة وقد روي عن بن سيرين والشعبي وطائفة نحو قول الشافعي ذكر أبو بكر قال حدثني أبو أسامة عن هشام قال سئل محمد عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا في مقعد واحد قال لا أعلم بذلك بأسا قد طلق عبد الرحمن بن عوف امرأته ثلاثا فلم تغب عنه قال. وحدثني أبو سلمة عن بن عوف أنه لم ير بذلك بأسا قال. وحدثني غندر عن شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي في رجل أبى أن تبين منه امرأته قال فطلقها ثلاثا قال أبو عمر. وأما الرواية عن بن عباس بمعنى بلاغ مالك عنه الذي ذكره في أول هذا الباب والرواية عن بن مسعود - أيضا بما ذكر عنه وما كان في معنى ذلك فذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عباد بن العوام عن هارون بن عنترة عن أبيه قال كنت جالسا عند بن عباس فأتاه رجل فقال يا بن عباس ! إني طلقت امرأتي مائة مرة وإنما قلتها مرة واحدة فقال بانت منك بثلاث وعليك وزر سبع وتسعين قال. وحدثني وكيع عن سفيان قال حدثني عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير قال جاء رجل إلى بن عباس فقال إني طلقت امرأتي ألفا - أو قال مائة - قال بانت منك بثلاث وسائرهن وزرا اتخذت بها آيات الله هزوا وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن بن عباس مثله وقال عبد الرزاق أخبرني بن جريج قال أخبرني عكرمة بن خالد أن سعيد بن جبير أخبره أن رجلا جاء إلى بن عباس فقال إني طلقت امرأتي ألفا فقال تأخذ ثلاثا وتدع تسعمائة وسبعا وتسعين قال. وأخبرنا بن جريج قال أخبرني بن كثير والأعرج عن بن عباس مثله وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني عبد الحميد بن رافع عن عطاء - بعد وفاته - أن رجلا قال لابن عباس رجل طلق امرأته مائة قال بن عباس يأخذ من ذلك ثلاثا ويدع سبعا وتسعين قال أخبرنا معمر عن أيوب عن عبد الله بن كثير عن مجاهد قال سئل بن عباس عن رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء قال يكفيه من ذلك رأس الجوزاء وقال أبو بكر بن أبي شيبة حدثني أبو بكر بن إبراهيم عن أيوب عن عمرو قال سئل بن عباس عن رجل طلق امرأته عدد النجوم فقال يكفيه من ذلك رأس الجوزاء قال أبو عمر فهذا سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وعمرو بن دينار وغيرهم يروون عن بن عباس في طلاق الثلاث المجتمعات أنهن لازمات واقعات وكذلك روى عنه محمد بن إياس بن البكير والنعمان بن أبي عياش الأنصاري في التي لم يدخل بها أن الثلاث المجتمعات تحرمها والواحدة تبينها وسنذكر ذلك في باب طلاق البكر - إن شاء الله - عز وجل وذلك دليل واضح على وهي رواية طاوس عنه وضعفها حين روى عنه في طلاق الثلاث المجتمعات إنها كانت تعد واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافه عمر قال أبو عمر ما كان بن عباس ليخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين إلى رأي نفسه ورواية طاوس وهم وغلط لم يعرج عليها أحد من فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والمغرب والمشرق والشام وقد قيل إن أبا الصهباء - مولاه - لا يعرف في موالي بن عباس وطاوس يقول إن أبا الصهباء - مولاه - سأله عن ذلك فأجابه بما وصفنا وقد روى معمر قال أخبرني بن طاوس عن أبيه قال كان بن عباس إذا سئل عن رجل طلق امرأته ثلاثا قال لو اتقيت الله جعل لك مخرجا لا يزيده على ذلك وهذه الرواية لطاوس عن بن عباس كرواية سائر أصحاب بن عباس عنه لأن من لا مخرج له فقد لزمه من الطلاق ما أوقعه ولو صح عن بن عباس ما ذكره طاوس عنه وذلك لا يصح لرواية الثقات الجلة عن بن عباس خلافه ما كان قوله حجة على من هو من الصحابة أجل وأعلم منه وهم عمر وعثمان وعلي وبن مسعود وبن عمر وعمران بن حصين وغيرهم وقد ذكرنا الرواية عن بعضهم بذلك ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب أن رجلا بطالا كان بالمدينة طلق امرأته ألفا فرفع إلى عمر فقال إنما كنت ألعب فعلا عمر رأسه بالدرة وفرق بينهما قال. وحدثني وكيع عن الأعمش عن حبيب قال جاء رجل إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقال إني طلقت امرأتي ألفا فقال بانت منك بثلاث قال حدثني وكيع والفضل بن دكين عن جعفر بن برقان عن معاوية بن أبي يحيى قال جاء رجل إلى عثمان - رضي الله عنه - فقال إني طلقت امرأتي مائة قال ثلاث تحرمها عليك وسبع وتسعون عدوان قال. وحدثني محمد بن بشير عن أبي معشر قال أخبرنا سعيد المقبري قال جاء رجل إلى عبد الله بن عمر وأنا عنده فقال يا أبا عبد الرحمن ! إني طلقت امرأتي مائة مرة قال تأخذ منها ثلاثا وسبع وتسعون يحاسبك الله بها يوم القيامة قال. وحدثني غندر عن شعبة عن طارق عن قيس بن أبي حازم أنه سمعه يحدث عن المغيرة بن شعبة أنه سئل عن رجل طلق امرأته مائة قال ثلاث تحرمها عليك وسبع وتسعون فضل. وأما الخبر عن بن مسعود بمثل ما روي عن سائر الصحابة فروى وكيع عن الثوري عن منصور والأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال جاء رجل إلى عبد الله فقال إني طلقت امرأتي مائة قال بانت منك بثلاث وسائرهن معصية ورواه أبو معاوية عن الأعمش بإسناده مثله قال وسائرهن عدوان وقال أبو بكر حدثني محمد بن فضيل عن عاصم عن بن سيرين عن علقمة عن عبد الله قال أتاه رجل فقال أنه كان بيني وبين امرأتي كلام فطلقتها عدد النجوم قال تكلمت بالطلاق قال نعم فقال عبد الله قد بين الله الطلاق فمن أخذ به فقد بين الله له ومن لبس على نفسه جعلنا به لبسه فلا تلبسوا على أنفسكم ونحمله عنكم هو كما تقولون قال أبو عمر فهؤلاء الصحابة كلهم قائلون وبن عباس معهم بخلاف ما رواه طاوس عن بن عباس وعلى ذلك جماعات التابعين وأئمة الفتوى في أمصار المسلمين وإنما تعلق برواية طاوس أهل البدع فلم يروا الطلاق لازما إلا على سنته فجعلوا فخالف السنة أخف حالا فلم يلزموه طلاقا وهذا جهل واضح لأن الطلاق ليس من القرب إلى الله تعالى فلا يقع إلا على سنته إلى خلاف السلف والخلف الذين لا يجوز عليهم تحريف السنة ولا الكتاب وممن قال بأن الثلاثة في كلمة واحدة تلزم موقعها ولا تحل له امرأته حتى تنكح زوجا غيره مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والثوري وبن أبي ليلى والأوزاعي والليث بن سعد وعثمان البتي وعبيد الله بن الحسن والحسن بن حي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وأبو عبيد ومحمد بن جرير الطبري وما أعلم أحدا من أهل السنة قال بغير هذا إلا الحجاج بن أرطأة ومحمد بن إسحاق وكلاهما ليس بفقيه ولا حجة فيما قاله قال أبو عمر أدعى داود الإجماع في هذه المسألة وقال ليس الحجاج بن أرطأة ومن قال بقوله من الرافضة ممن يعترض به على الإجماع لأنه ليس من أهل الفقه حكى ذلك عنه بعض أصحاب داود عنه وأنكر ذلك بعضهم عن داود ولم يختلفوا عنه في وقوعها مجتمعات وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف قال كان الحجاج بن أرطأة خشيا وكان يقول ليس طلاق الثلاث بشيء قال أبو عمر روى بن إسحاق في ذلك عن داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس قال طلق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ((كيف طلقتها قال طلقتها ثلاثا في مجلس واحد قال إنما تلك واحدة فارتجعها إن شئت)). قال فارتجعها قال وكان بن عباس يرى أن السنة التي أمر الله بها في الطلاق أن يطلقها عند كل طهر وهي التي كان عليها الناس قال بن إسحاق فأرى أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رد عليه امرأته لأنه طلقها ثلاثا في مجلس واحد لأنها كانت بدعة مخالفة للسنة قال أبو عمر هذا حديث منكر خطأ وإنما طلق ركانة زوجته البتة لا كذلك رواه الثقات أهل بيت ركانة العالمون به وسنذكره في هذا الباب. وأما ذهب بن إسحاق فهو قول طاوس وهو مذهب ضعيف مهجور عند جمهور العلماء. وأما حديث طاوس فقد ذكرنا أن الجمهور من أصحاب بن عباس رووا عنه ذلك وهو المأثور عن جماعة الصحابة وعامة العلماء وما التوفيق إلا بالله. 1117- مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن حزم أن عمر بن عبد العزيز قال له البتة ما يقول الناس فيها قال أبو بكر فقلت له كان أبان بن عثمان يجعلها واحدة فقال عمر بن عبد العزيز لو كان الطلاق ألفا ما أبقت البتة منها شيئا من قال البتة فقد رمى الغاية القصوى. 1118- مالك عن بن شهاب أن مروان بن الحكم كان يقضي في الذي يطلق امرأته البتة أنها ثلاث تطليقات قال مالك وهذا أحب ما سمعت إلى في ذلك قال أبو عمر استحباب مالك في هذا الباب هو مذهبه الذي عليه أصحابه فيمن حلف بطلاق امرأته البتة أنها ثلاث لا تحل له إلا بعد زوج وهي مسألة اختلف فيها السلف والخلف فمذهب مالك ما وصفنا. وقال أبو حنيفة وأصحابه - إلا زفر إن نوى بالبتة ثلاثا فهو ثلاث وإن نوى واحدة فهي واحدة بائنة وإن نوى اثنتين فواحدة بائنة وهو قول الثوري وقال زفر إن نوى ثلاثا فثلاث وإن نوى اثنتين فاثنتان وأن نوى واحدة فهي واحدة واختلف فيها عن الأوزاعي فروي عنه واحدة بائنة وروي عنه ثلاث. وقال الشافعي في الحالف بالبتة إن نوى ثلاثا فثلاث وإن نوى اثنتين أو واحدة فطلاقه رجعي قال أبو عمر وروي مثل قول مالك في البتة أنها ثلاث وعن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وبن عباس وأبي هريرة وعائشة فأما الحديث عن علي بذلك فذكر أبو بكر قال حدثني محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن الحسن عن علي قال هي ثلاث قال. وحدثني بن إدريس عن الشيباني عن الشعبي عن عبد الله بن شداد عن علي - رضي الله عنه - إنه جعلها ثلاثا. وأما الحديث بذلك عن بن عمر فذكر أبو بكر قال حدثني عبده بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن البتة ثلاث تطليقات وهو قول عمر بن عبد العزيز وذكر أبو بكر بن أبي شيبة حدثني بن علية عن أيوب عن نافع أن رجلا جاء بظئر له إلى عاصم بن عمرو بن الزبير فقال إن ظئري هذا طلق امرأته البتة قبل أن يدخل بها فهل عندكما بذلك علم أو هل تجدان له رخصة فقالا لا ولكنا تركنا بن عباس وأبا هريرة عند عائشة فأتهم فسلهم ثم ارجع إلينا فأخبرنا فأتاهم فسألهم فقال أبو هريرة لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وقال بن عباس هي ثلاث وذكر عن عائشة متابعتهما. وأما حديث زيد بن ثابت فمن حديث قتادة وعتبة وهو منقطع وروي في البتة أنها ثلاث عن سعيد بن المسيب وعروة والزهري ومكحول وبه قال بن أبي ليلى وأبو عبيد. وأما قول الكوفيين والشافعي ومن تابعهم فالحجة لهم حديث ركانة أخبرنا عبد الله بن محمد أخبرنا أبو محمد بن بكر حدثني أبو داود حدثني أحمد بن عمرو بن السرح وإبراهيم بن خالد الكلبي وأبو ثور في آخرين قالوا حدثني محمد بن إدريس الشافعي قال حدثني عمي محمد بن علي بن شافع عن عبيد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد بن ركانة أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النبي -عليه السلام- بذلك قال النبي ما أردت إلا واحدة فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها النبي -عليه السلام- فطلقها الثانية في زمن عمر والثالثة في زمن عثمان قال أبو داود حدثني محمد بن يونس النسائي حدثني الحميدي عبد الله بن الزبير حدثني محمد بن إدريس الشافعي كتب عمي محمد بن علي عن عبد الله بن السائب عن نافع بن عجير عن ركانة بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث. وحدثني أبو زكريا يحيى بن محمد بن يوسف الأشعري حدثني أبو يعقوب يوسف بن أحمد المكي حدثني محمد بن إبراهيم الترمذي أبو ذر حدثني أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي حدثني هناد بن السري حدثني قبيصة بن عتبة عن جرير بن حازم عن الزبير بن سعيد عن عبد الله بن ركانة عن أبيه عن جده قال أتينا النبي -عليه السلام- فقلت يا رسول الله ! إني طلقت امرأتي البتة فقال ما أردت بها قال واحدة قال النبي قال فهو ما أردت قال أبو عمر فهذا حجة الشافعي فيمن قال لزوجته أنت طالق البتة فإن أراد واحدة كانت رجعية لما في هذا الحديث فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أحلفه واحتج من ذهب مذهب الكوفيين في أنه إن نوى واحدة كانت بائنة بما ذكره أبو داود أيضا حدثني سليمان بن داود العتكي حدثني جرير بن حازم عن الزبير بن سعيد عن عبد الله بن - علمته - يزيد بن ركانه عن أبيه عن جده أنه طلق امرأته البتة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال ما أردت قال واحدة قال النبي قال فهو على ما أردت ولم يقل فردها إليه قال أبو داود حديث الشافعي وجرير بن حازم عن الزبير بن سعيد أصح من حديث بن جريج في هذا الباب وذلك أن بن جريج رواه عن بن أبي رافع عن عكرمة عن بن عباس أن ركانة طلق امرأته ثلاثا وحديث الشافعي أنه طلقها البتة أصح لأنهم أهل بيته وهو أعلم بهم قال أبو عمر رواية الشافعي لحديث ركانة عن عمه أتم وقد زاد زيادة لا تردها الأصول فوجب قبولها لثقة ناقلها والشافعي وعمه وجده أهل بيت ركانة من بني المطلب بن مناف وهم أعلم بالقصة التي عرض له أخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أبو عبيدة بن أحمد قال حدثني الربيع قال حدثني الشافعي محمد بن إدريس قال أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية البتة ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال طلقت امرأتي سهيمة المزنية البتة ووالله ما أردت إلا واحدة فقال النبي -عليه السلام- الله ما أردت إلا واحدة فقال والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلقها ثانية في زمن عمر وثالثة في زمن عثمان حدثني محمود بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني يزيد بن هارون. وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني حمدون بن أحمد بن سلم قال حدثني شيبان قال حدثني جرير بن حازم قالا حدثني الزبير بن سعيد الهاشمي عن عبد الله بن علي بن عبد يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده أنه طلق امرأته البتة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخبره فقال (( ما نويت بذلك)). قال واحدة قال النبي قال ((هو على ما أردت)) واللفظ لحديث حمدون بن سلم وقد روى هذا الحديث بن المبارك عن الزبير بن سعيد قال أبو عمر روي مثل قول الشافعي في البتة أنه ينوي الحالف بها فإن أراد ثلاثا فثلاث وإن أراد واحدة فهي رجعية عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود روي ذلك عن عمر من وجوه ونحوه عن بن مسعود وبه قال سعيد بن جبير وغيره وقال بن جريج عن عطاء في البتة واحدة أو ما نوى ذكر أبو بكر قال حدثني بن إدريس عن الشيباني عن الشعبي قال شهد عبد الله بن شداد عند عروة بن المغيرة أن عمر جعلها واحدة وهو أحق بها وشهد بها عنده الرائش بن عدي عن علي أنه جعلها ثلاثا قال. وحدثني بن فضيل عن الأعمش عن إبراهيم عن عمر وعبد الله قالا تطليقة وهو أملك بها قال. وحدثني بن عيينة عن عمرو عن محمد بن عباد عن المطلب بن حنطب عن عمر أنه جعل البتة تطليقة وزوجها أملك بها وقد روي عن عمر أنها بائن ولا يصح عنه وروى عبد الرزاق عن بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال جاء بن أخي الحارث بن أبي ربيعة إلى عروة بن المغيرة بن شعبة - وكان أميرا على الكوفة - فقال له عروة لعلك أتيتنا زائرا مع امرأتك قال وأين امرأتي قال تركتها عند بيضاء - يعني امرأته - قال فهي - إذا - طالق البتة قال فإذا هي عندها فسأل فشهد عبد الله بن شداد بن الهادي أن عمر بن الخطاب جعلها واحدة وهو أحق بها قال ثم سأل فشهد رجل من طيء يقال له رائش بن عدي أن عليا جعلها ثلاثة قال عروة إن هذا لهو الاختلاف فأرسل إلى شريح فسأله - وقد كان عزل عن القضاء - فقال شريح الطلاق سنة والبتة بدعة فنقفه عند بدعته فننظر ما أراد بها وعن بن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار أن عبد الله بن أبي سلمة حدثه أن سليمان بن يسار أخبره أن التوأمة بنت أمية بن خلف طلقت البتة فجعلها عمر بن الخطاب واحدة قال. وأخبرنا معمر وبن جريج عن عمرو بن دينار عن محمد بن عباد بن جعفر أن عمر بن الخطاب سئل عن رجل طلق امرأته البتة فقال الواحدة تبت راجع امرأتك فهي واحدة وروي مثل قول أبي حنيفة والثوري عن إبراهيم النخعي وغيره.
|